حادثة بعد حادثة، وضحية بعد أخرى، يتوالى سقوط أطفال في عمر الزهور، ومواطنين أبرياء في الآبار الارتوازية المهملة التي تركها “أصحابها” مكشوفةً حول القرى، والمزارع، والهجر، والمدن، والأودية، والمناطق المفتوحة كأفواه قبور تنتظر ساكنيها الغافلين عمّا تحت أقدامهم من خطر.
إن الإحصائيات الحديثة تشير إلى تزايد حفر الآبار ذات الفوهة الضيقة، وإهمال ردمها أو تسويرها؛ فعلى سبيل المثال، بلغ عدد الآبار غير المسورة في منطقة الباحة وحدها 3165 بئراً ارتوازية.. ومع تزايد نسبة حفرها العشوائي بشكلٍ كبيرٍ في مختلف المناطق كثر سقوط ضحاياها هنا وهناك، وزادت المآسي الإنسانية، والحالات المؤلمة.
إن الإشكالية الخطيرة للآبار المهملة المكشوفة في الأراضي المستوية أنه تصعب رؤيتها، والانتباه لها؛ ما يجعل خطرها كبيراً وقائماً على حياة المواطنين صغاراً وكباراً، فأغلب الآبار التي تمّ حفرها دون لوحات تحذيرية أو “تسوير” أو تنبيهٍ من أي نوع.. مما أدّى إلى سقوط عديدٍ من الضحايا في فوهاتها الضيقة، وفي أعماقها، واستنفار جهود رجال الدفاع المدني أياماً طويلة.. ومع الأسف، يتم انتشالهم بعد ساعات طويلة من الآلام المبرحة والإصابات بكسورٍ خطيرة، أو الوفاة.
وأمام هذه الإشكالية الإنسانية، وسوء التنظيم، وضعف تحمُّل المسؤولية، وتزايد سقوط الضحايا في أعماق الآبار المظلمة المهملة؛ نتساءل:
– هل الجهات المعنية كالمجالس البلدية، ووزارة الزراعة، والدفاع المدني، وشركة المياه وغيرها مقصّرة في عدم تنظيم عملية حفر الآبار، ولم تتخذ الإجراءات العقابية الحاسمة لمَن يخالف ردمها؟
– هل التصريح لحفر أي بئر له إجراءات حاسمة وجادة في السلامة؛ بحيث تكون أولاً في أرض يملكها صاحب الطلب حتى لا يتم الحفر في أي مكان، وفي الأراضي الحكومية كما يحدث حالياً؟
– لماذا لا تتولى جهة رسمية واحدة فقط مسؤولية متابعة ما يحفر من آبار وتتأكد من ردمها بعد الانتهاء منها على حساب صاحب البئر خشية أن تسبّب الضرر لأحد؟
– أين المسؤولية الاجتماعية على مَن يحفرون الآبار في وضع تحذيرات أو موانع تحذّر من السقوط فيها؟
– مَن المستفيد من بعثرة جهود رجال الدفاع المدني واستنفارهم بهذا الشكل في انتشال المصابين، ومتابعة ردم الآبار؟
– مَن يعوّض أهالي متوفي الآبار، والمصابين بكسور خطيرة؟
– هل الآبار هي من اختصاص شركة المياه، والدفاع المدني فقط.. لذا على أي مواطن أن يتجه ليبلغ هاتين الجهتين عن أي آبار مكشوفة يخاف من ضررها على الآخرين؟
– لماذا أغلب الآبار تحفر بشكل خطير في الأودية، والمتنزهات التي يرتادها أهالي المحافظات للتنزه؟
– لماذا لا يعاقب صاحب البئر ويحقق معه، وتوجّه له تهمة الإهمال التي قد تصل إلى تهمة القتل الخطأ؟
– لماذا أصبحنا نجد عدداً من الآبار الارتوازية المهملة والمكشوفة في وسط بعض الأراضي السكنية؟
– لماذا لا يتم إبلاغ الجهات ذات العلاقة عن كل مخالف في حفر آبار ليتم اتخاذ الإجراء اللازم؟
– أين دور الجهات المعنية في الرفع لإمارات المناطق عن جميع الآبار الخطرة بالمنطقة التي تم اكتشافها؟
إن الآبار القديمة المهملة لا تزال فصول معاناتها مستمرة، وتحوّلت لإشكاليةٍ إنسانيةٍ كبيرة، ومصائد قاتلة لضحايا أبرياء نتيجة الإهمال، واللامبالاة، وضعف المراقبة.. فكم من عائلةٍ فقدت طفلها، وكم من مواطنٍ سقط في أعماق تلك الآبار؛ ما جعلها أحد أهم الأخطار التي يجب حماية المجتمع منها بتدخّل الجهات الرسمية المعنية، وسرعة اتخاذ إجراءات السلامة، والاهتمام بها، والعمل على ردمها بشكلٍ سريع، ومعاقبة مَن يرتكبها، والتشهير به.. حتى لا نسمع أو نقرأ عن سقوط ضحايا جدد، وحدوث مآسٍ إنسانية نحن في غنى عنها، إن ارتفع لدى البعض الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية تجاه الآخرين.